لماذا المشرق؟

رغم اندثار الاحتلال العسكري الكولونيالي المباشر في العالم كله منذ العقود الأخيرة للقرن العشرين، ما يزال العالم يشهد حتى اليوم حالة احتلال واحدة لم تنتهي إلى حق أصحابها الحر بتقرير مصيرهم؛ تلك هي فلسطين. منذ مطلع القرن العشرين شهدت فلسطين سلطات سياسية قامت بقوة الاحتلال العسكري في معظمها، لم تمثّل التطلعات الحرة لسكانها وما تزال كذلك حتى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. 

 

منذ عام 1948 شهد شرق المتوسط 11 حرباً إقليمية لاحتلال فلسطين أو لتثبيت احتلالها ومنع أهلها من حقهم في الحرية، بمعدل حربٍ كل 6 سنوات نتج عنها 6 ملايين لاجئ شكلوا أكبر كتلة من اللاجئين في العالم، كابدت أطول حالة لجوء مسجلةٍ في التاريخ الحديث ما تزال مستمرةً حتى يومنا هذا، إضافة إلى عشرات آلاف الضحايا ومئات آلاف الأسرى، ودمارٍ كبير متجدد يلحق بمدن الفلسطينيين وقراهم وأراضيهم الزراعية ،بل وحتى مخيماتهم في بلدان اللجوء.  

 

يشكل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين تهديداً مستمراً لحقوق السكان الأساسية في الحياة والمأوى والتعليم وحرية التنقل والحركة ومختلف حقوق العيش الكريم التي كفلها القانون الدولي، وتهديداً للإرث الحضاري والإنساني الذي تضمه تلك الجغرافية المقدسة لدى الرسالات الإبراهيمية الثلاث؛

 

انطلاقاً من ذلك جاءت المشرق، لتكون رافعةً لتمكين المجتمع الوحيد في العالم الخاضع للاحتلال العسكري حتى اليوم، ولإتاحة الفرصة له في البقاء والاستمرار في الحياة والتأسيس لمستقبلٍ أفضل ينال فيه حريته، ولتعمل على حماية الإرث الحضاري والإنساني المهدد بالطمس والاستيلاء والإحلال، وتعزيز المراكز الحضرية التي تحتضنه حتى تتمكن من الحفاظ على هويته والتفاعل معه في استمرارٍ للتفاعل الثقافي والحضاري الذي أنتج ذلك الموروث الإنساني الذي لا يقدر بثمن.